- مفهوم التدليس:
حجّر الفصل 23 في فقرته الثانية "تقليد علامة واستعمال علامة مقلّدة لمنتجات أو خدمات مماثلة أو مشابهة للتي تمّ بيانها في التسجيل". و تتمثّل جنحة التدليس في أخذ عناصر من علامة الغير والاقتراب منها إلى حدّ التشابه الذي من شأنه وقوع الخلط في أذهان العموم.
والملاحظ أنّ المشرع التونسي يستعمل عبارة التقليد للدلالة على جميع الأعمال التي تمثّل "تعدّيا على حقوق مالك العلامة"، وكذلك للدلالة على التدليس الذي يمثّل جنحة خاصة ومستقلّة بذاتها. لذا كان من الأجدر التمييز بين التقليد باعتباره يرمز إلى مختلف الاعتداءات على الحق في العلامة، وبين التدليس باعتباره صورة من صور التقليد، باتخاذ عبارتين مختلفتين مثلما هو الشأن في التشريع الفرنسي الذي ميّز بين "La contrefaçon" و "Imitation"[1] .
ولدراسة جنحة التدليس نتولى تحديد الخصائص العامة لهذه الجنحة ثم نتعرض إلى محلّ التدليس الذي نقصد به عناصر العلامة الأصلية الواقع نسخها.
و الملاحظ أن المشرع التونسي أردف تحجير أعمال التدليس بإمكانية حصول خلط في أذهان العموم.
و لمعرفة ما إذا كان العلامة مدلّسة أم لا يجب إجراء مقارنة تحليلية على العلامتين الأصلية والمدلّسة وتقدير مدى إمكانية وجود الخلط من عدمه.
ويقع تقدير احتمال الخلط بالاعتماد على عناصر التشابه بين العلامة الأصلية والعلامة المدلّسة دون عناصر الاختلاف. فالمهمّ هو التشابه بين العلامتين في المظهر العام وليست الاختلافات الجزئية التي قد لا يتفطّن إليها المستهلك العادي. ونظرا لعدم توفّر العلامتين أمام أنظار الحرفاء في أغلب الأحيان للقيام بعملية المقارنة، فإنّه يقع الاستناد إلى الانطباع العام الذي تتركه العلامة المدلّسة في أذهان الحرفاء لتقدير احتمال الخلط.
وفي هذا الصدد اعتبرت المحاكم الفرنسية بأنّ تقدير احتمال الخلط يكون بالاستناد إلى الصورة الأخيرة الراسخة في ذهن المستهلك متوسّط الانتباه للعلامة المقلّدة. [2] كذلك اعتبرت أن تقدير احتمال الخلط يجب أن يكون عن طريق مقارنة العلامتين الأصلية والمقلّدة في مجموعهما وبالاستناد إلى الانطباع الذي تتركه قراءتهما ورؤيتهما وما تثيره هذه القراءة أو الرؤية في ذهن المشتري متوسّط الانتباه والذي لم تتح له الفرصة لرؤية العلامتين بجانب بعضهما البعض[3]
و يحمي الحق في العلامة، التسمية من ناحية معناها وشكلها ونطقها لذا يجب الأخذ بعين الاعتبار طريقة كتابة الكلمات والأصوات التي تتضمّنها في كلّيتها وعلى هذا الأساس اعتبرت علامة "kristall" تقليدا لعلامة "cristal". [4]
أمّا العلامات المركّبة، فالتدليس فيها لا يكون قائما إلاّ إذا تعلّق بالعنصر المميّز للعلامة، وإذا ما تسلّط التقليد على العنصر العادي للعلامة المركّبة فإنّ هذا الفعل يعدّ عملا مشروعا لكافّة المنافسين. لذلك اعتبرت علامة "Crazy Love" تدليسا لعلامة "Crazy Horse". [5]
أمّا بالنسبة للعلامات الموضوعة على الأدوية، فإنّه يقع تقدير التدليس فيها بناء على معيار "الحريف المنتبه"، لأنّ الحرفاء في هذا الميدان هم أشخاص محترفين، وعادة ما يكون الأطباء والصيادلة أكثر انتباها من المستهلك العادي. [6]
بقي أن نشير أنه ليس من الضروري أن يقع الخلط بين العلامتين الأصلية والمدلّسة حتى يقوم التقليد، بل يكفي أن يكون هذا الخلط ممكنا، ولقد اشترط المشرع صلب الفصل 23 من قانون 2001 أن تكون إمكانية وقوع الخلط موجودة فحسب.
وليس من الضروري أيضا أن يثبت مالك العلامة الأصلية وقائع معيّنة تدل على عملية التدليس، إذ أنّ إمكانية الخلط تكون قائمة بمجرّد مواجهة العلامتين ببعضهما البعض حتى قبل وضعهما على المنتجات التي تدلان عليها وتقارن المحكمة العلامتين كما وقع عرضهما بمطلب التسجيل لا كما تمّ استغلالهما في الواقع. [7] و يبقى تقدير احتمال الخلط مسألة واقعية تخضع للاجتهاد المطلق لمحاكم الأصل بالاعتماد على ظروف و ملابسات كلّ قضيّة ولا رقابة لمحكمة التعقيب عليها بشرط التعليل. [8]
ويتبيّن من اجتهادات فقه القضاء في هذا المجال أنّ الظروف و الملابسات الخاصة بالنزاع كثيرا ما تؤثر على عملية تقدير احتمال الخلط، فالمحكمة عادة ما تستند على مواقف الأطراف، وكذلك على حسن أو سوء نية المقلّد، وعلى رغبة مالك العلامة في إنشاء الخصومات ضد كل منافس له، سواء قام بتقليد علامته أو لم يقم مما ينتج عنه تعسّف في استعمال الحق الذي منحه له القانون. وقد تتّخذ المحاكم مواقف صارمة فتقرّ بوجود احتمال الخلط بين علامتين مختلفتين من ذلك علامة "inter boss" التي اعتبرت تقليدا لعلامة "Hugo boss". [9] و قد تقرّ بعدم وجوده بين علامتين متقاربتين ومثال ذلك اعتبار علامة "Sirop Ramai" لا تمثل تقليدا لعلامة "Sirop Rami". [10]
و خلافا لأمر 1889 لم يشترط قانون 17 أفريل 2001 في فصله 23 سوء نية المقلّد لقيام جنحة التدليس، بل اكتفى بشرط احتمال وقوع الخلط فحسب، [11] ويترتب عن ذلك اعتبار جنحة التدليس في القانون التونسي جنحة غير قصديّة. على عكس جنحة التدليس المغشوش الواردة صلب الفصل 19 من أمر 1889 والتي تفترض أن يكون التدليس "يقصد من ورائه غشّ الشاري".
"إذ لا يكفي إثبات التشابه بين العلامتين واحتمال الخلط بينهما بل لابد من إثبات أنّ الخلط هو نتيجة مقصودة بحث عنها المقلّد عند اختياره للعلامة المشابهة لعلامة الغير".
ويمكّن هذا التخلّي عن اشتراط سوء نية المقلّد مالك العلامة الأصلية من إثبات التعدي على حقوقه بسهولة أكثر إذ يكفيه إثبات التشابه بين العلامتين واحتمال الخلط حتى يقع التصريح بوجود التدليس، دون إثبات سوء نيّة المقلّد التي تعتبر مسألة نفسانية داخلية من الصعب إثباتها. [12] ويؤكّد هذا التخلّي عن اشتراط سوء النيّة في أكثر جنح التقليد تواترا في الواقع، حرص المشرع على إنشاء نظام قانوني صارم وفعّال لمقاومة ظاهرة التقليد، وذلك تماشيا مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها تونس في مجال إنشاء المنظمة العالميّة للتجارة وخاصة الاتفاق المتعلّق بجوانب حقوق الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة.
2- طرق التدليس:
لا تختلف طرق تدليس علامة الغير عن طرق النسخ إذ يقع تقدير التدليس بالرّجوع إلى نقاط التّشابه بين العلامتين الأصلية والمقلّدة دون نقاط الاختلاف. [13] ويتسلّط التدليس عادة على العناصر المميّزة والأساسية لعلامة الغير حتى يقترب منها ويحدث إمكانية الخلط في ذهن المستهلك. [14]
وفي هذا الصدد قد يعمد المقلّد إلى خلق تشابه على مستوى السمع أو على مستوى الشكل كلّما كانت العلامة المراد تدليسها علامة اسمية وليس من الضروري أن يتسلّط التقليد على شكل الشارة ونطقها معا بل يكفي وجود التشابه في أحدهما. [15]
أمّا إذا كانت العلامة تصويرية، فإن التشابه لا يعتدّ به لقيام التدليس إلا إذا كان موضوعه عناصر مميّزة وأصلية في الصورة فقط دون العناصر العادية فيها، وذلك من غير الوصول إلى حماية النّوع الذي تنتمي إليه الصورة، وعلى هذا الأساس اعتبرت علامـة "Obi" التي تحـمـل صـورة أحـد القوارض لا تمثّل تقليدا لعلامة (قندس) والتي تحمل صورة قندس. [16]
ويمكن أن ينتج التقليد عن استعمال المفارقة أو الإدغام أو القلب ولقد اعتبرت محكمة باريس أنّ استعمال علامة "Dicton" يمثّل تقليدا بواسطة الإدغام لعلامة "Dictaphone" ([17]) وأنّ تسمية "Luxavia" هي تقليدا لعلامة "Avialux" ([18]) التي وقع قلبها وأنّ علامة الجبن المشهورة "La vache qui rit" قد وقع تقليدها بعلامة "La vache sérieuse" عن طريق استعمال المفارقة([19]).إلا أن المحكمة الاستئناف بتونس لم تقر بوجود تقليد لعلامة la vache qui rit بالنسبة لمنتوج KIRI [20]
وقد يعمد المقلّد إلى خلق تشابه على مستوى الفكرة التي تحملها العلامة الأصلية، ويحصل احتمال الخلط عن طريق التقارب بين الأفكار الذي يستنتج من الفكرة العامة الموجودة في العلامة المقلّدة مقارنة بالعلامة الأصلية، لذلك اعتبرت علامة "Contrat de sécurité totale" تقليدا لعلامة "Contrat de confiance"، كما يمكن أن يستنتج التقليد من إرادة التضليل الواضحة لدى المقلّد والتي تجعل المستهلك العادي المتوسط الانتباه لا يستبعد وجود تقارب بين العلامتين.
لذلك اعتبرت علامة "Oro" تقليدا لعلامة "Omo" [21] كذلك الشأن بالنسبة لعلامة"Coup de cœur" التي اعتبرت تقليدا لعلامة "Coup de foudre"[22] وعلامة "Baron David" تقليدا لعلامة"King David"[23]وعلامة"Lessive du chirurgien" تقليدا لعلامة "La lessive du docteur". [24]
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire